الخميس، 20 مارس 2014

كـبـرعـم لـمـســتـه الـريـح ...

لم يعد هناك ما نحيا لأجله ...

لازلت على يقين تام من أني تلك الفتاة صاحبة الشعر الذهبي المتناثر حول وجهها كأشعة الشمس .. أشعة خشنة متناثرة كالأسهم ..


حافية القدمين .. خالية من الهم من الوجع لا تدري أي سنة تلك أي يوم وأي فصل .. لا تدري لما تصر والدتها على أن تحشوها ملابس هكذا .. ومتى يجب عليها الإستئذان لكي تأخد حماماً لا تبالي ساخنة مياه أو بارده .. المهم أن تمرح "بالشمبو" تحت إندفاع المياة من "الدش" .. لا تعرف معنى البارد من الساخن لا تميز بين المبكي والمضحك .. 
حتى حين مرضها لا تبالي فهي لا تدري ماذا رفع حرارتها هكذا لكن أهلاً ومرحباً بجلسة مياة باردة "بطبق" أخضر كبير به بطات بلاستيكية لخفض الحرارة التى لم أشعر بها يوماً ولم أميزها أبداً حين كنت صغيرة ..

أنا على يقين إنني تلك الفتاة الصغيرة التى كانت والدتها تضع بأُذنها المشابك كأقراط .. أقف بشرفتنا الصغيرة جداً لمساعدتها فى نشر الغسيل .. سنتي ميتراتي القليلة لا تكفى حتى أن "أشب فوق السور" أقف فوق الكرسي الصغير وها هو العالم .. العالم أجمع يتمثل خارج شرفة بيتنا الصغير .. وتلك هي أول ذاكرة لي بطفولتي لا أتذكر أبعد من ذلك ..

أنا تلك الفتاة ولازلت أنا .. بالفعل إنتقلنا من منزل لمنزل ومن بلد لآخر ومن شرفة لشرفة صرت أنا والقمر فقط من نقف في الشرفات ،فوق أسطح المنازل عرفت أصدقاء وفقدتهم جميعاً في كل مرة أعود وحدي معي .. لم أعد قصيرة إزددت وزناً وطولاً .. لكن قلبي لازل هو هو وعقلي وعيني هي هي ..

وبما إنني لازلت تلك الصغيرة كيف لي أن أواجه العالم وحدي حتى وإن لم أكن وحدي كيف لي أن أواجه ظلام وظلم العالم .. كيف أتحمل كل تلك الأعباء والمشكلات والعيون الراحلة والإبتسامات الباهته .. 
لم أعد أحتمل الفراق .. لم أعد أحتمل الثقة التى لم توضع يوماً بمحلها الصحيح حيث أن على هذه الأرض لا موضع لثقة لا موضع لنور لا موضع لإيمان سوى بوجود رب مكتمل .. 

لكني لازلت أهوى الهروب .. كما أهوى اللعب .. لكن لا مجال للعب .. 
أهو عيب من المكان أم الزمان .. ترى هل كان الزمان هكذا دوماً لا أذكره هكذا قديماً .. حتى فى ذكرى غابرة ذات عيد أم فى الصف الخامس الإبتدائي حينها كانت حفلة فى مدرستنا الحكومية وكان المدرسين يبكون وعلى وجوههم فزع .. مالك يا أستاذ .. العراق إتضربت النهاردة !

لم أفهم لكني بكل ما أتيت من قلب بكيت تلك كانت فاجعة بكيت لها ولم أكن أفهمها .. وبدأ العالم فى الدوران لم أكن أشعر بدورانه إلا حين كنت أدور معه حتى أسقط أرضاً .. وأمي تصرخ هتدوخي يا بنتي كده ..

ليتها توقفت حد الدوخة يا أمي .. ليتها !

الأحزان تتكاثر بغير تكاثر  ..  بحق عشقي لكي يا أمي أخبريني ألست صغيرة على تلك الأحزان ؟! أحزان لا يصح مع جلالها إلا صمت كصمت أهل القبور .. صمت الموتى دائماً موجع هكذا صرت أواجه أحزاني يا أمي بالصمت حتى الدمع جف !

لا تتشحى بالسواد يا أمي .. أسفاً لازالت بي الروح والقلب دقاته منتظمه .. والعين تتجاوب مع الضي لكنها الروح تحي الجسد وهي ميته .. 

تبدأ الأحزان منكِ يا أمي وتنتهي لديكِ .. هناك شيئاَ بيننا لم يعد كسابق عهدنا به .. زجاجة عالقة بالقلب الجرح دائماً مفتوح .. كلما هممت بلمسها فى محاولة بائسة فى إخراجها تتعمق أكثر فأكثر .. فلنتركها هكذا في صمت .. لكني لم أعد أحتمل غيابك أكثر لم أعد أحتمل فقد صوتك وجهك ضحكتك التى تنير السماء وتطغى على نور الشمس .. أهيم فى حبك قدر هيم السكارى بخمورهم .
لكن لازل الوقت باكراً جداً على إتشاح السواد يا أمي ..

قديماً كانت الدموع تهون الجراح وتجبر الكسور وتلحم القطيعة .. الدموع سيلها وقف لكن جرح القلوب نازف ..
تؤمنين أنتِ بتلاقي الأرواح يا أماه .. لي روح مكسورة ولكسرتها إنكسرت .. لي روح ماتت ولموتها أنا لست أنتظر الموت أنا فقط أنتظر العدم الموت حياة وأنا لم أشتهى الحياة يوماً فقط أشتهى العدم .. فى ألا أكون ..

نعم عاتبه عليكي وعليّ وعلى الجميع ظلمة قلوبنا .. 
لا تسأليني عن خطبي يا أمي لازلت صغيرة لكن إسئلي الدنيا ما بلها لا تتركني صغيرة .. شاب القلب وتجعد ونزف ..
ما بال الدنيا لا تأتي إلا بالأوغاد بالذئاب .. بالرصاص ينتزع الأرواح القريبة .. بالغاز يخطف الأنفاس .. بالسجون تنتشل الأحبة .. وبدميموا الأنفس يسرقون الأحلام .. 

ثم تعودي تحدثيني أنه أليس الصبح بقريب؟! .. 
لا يا أمي ليس هناك صباح .. الأحبه قد وراهم التراب .. والأحلام أمام قبورها ورود سوداء زابلة .. 
والطفلة الصغيرة لم تعد أنا .. الصغيرة شابت يا أمي لم يعد يجدي الكلام فلقد كُسرتُ بكل ما أتيت من قلب قد كُسرتُ .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق