حسن الكمال
أكبر من ذي قبل ببضع أشبار .. أتكاسل عن لف طرحه أمي اليوم .. أصاب شعري القمل ورأسي يحكني ..
وسئمت من وضع الدواء .. وتخبرني الفتايات الفلاحات فى مدرستي الحكومية الجديدة عن إستخادم الجاز ، أصلا لولا وجودي بينكم ولولا الظروف ما كان ليصيب رأسي القمل و كنت لازلت فى مدرستي النظيفة الخاصة ، ولكن ألعن الظروف فى صمت وأحك رأسي وأمضي ..
لا أشعر بإنني بخير للذهاب إلى المدرسة ولا المرور على كُتاب الشيخ نصر اليوم فلم أحفظ الأجزاء ولا أريد الإستماع لشيء من حواديته .. أهيم ببجامتي المتسخة بتسقيه البسكويت فى الشاي باللبن فى الطرقات المتعرجة والحواري الملطخة بالطين .. أنتقي فى هذا البرد القارص رصيف غير مبتل بجوار بائعة الحمام والبيض البلدي الصغير ..
أمر من أمامها يومياً عند عودتي من المدرسة ، أحياناً تبيع الكتاكيت الملونة ولم أكن أعرف أن تلوينهم شيء غير أدمي بالمرة خاصة فى هذا الشتاء القارص ، ولم أعرف أنهم يُلونوا أصلاً ظننتهم يولدون هكذا وذلك بالطبع قبل أن أعلم إنهم يفقسون من البيض أو حتى سيكبرون ليصبحوا دجاجات وديوك،
يااااه حلقي يؤلمني بشدة ، ليت أمي هنا ولكني خفت من المنزل الخالي ، أسمعهم يتهامسون عني ويضحكون وأرى أطيافاً تمر ويقشعر جسدي من لمسات باردة مرت على ساعدي ، فتركت الباب مفتوحاً وبالطبع لا أحمل مفاتيحاً وركضت إلى أسفل ، اليوم ستقص لي أمي شعري لتتخلص هي من تسليكه وفك عقداته وأتخلص أنا من القملات المزعجات .. حلول أمي السهلة الموفرة للوقت .. الهادرة للأشياء !!
تتبسم لي مربية الحمام فأتطلع إلى الحمامة التى تهم أن تطير وهي تنتف لها أجنحاتها وريشها، من المؤكد تتألم مثلما يؤلمني شعري وهو يُقص .. هددتني عمتي أنها ستنتف شعر رأسي هكذا إن لم أحفظ جدول الضرب الذي سميَ بجدول الضرب لأننا نضرب عليه إن لم نصمه صم .. وكانت تجعلني أردد أن رأسي فى مؤخرتي ومؤخرتي فى رأسي أنا وأخي محمود وهكذا حفظنا الجملة ولم نحفظ جدول الضرب!!
والحق أن عمتي لاحقاً فى اليوم التالي هي من ستقص لي شعري وأنا نائمة
لأني رفضت أن أقص شعري وبكيت بعند وتحججوا بأن العلكة خرجت من فمي على شعري وأنا
متأكدة جدا بإنني لم أأكل أي علك اليوم لأنام بها فأجد فى الصباح شعري يشبه شعر
الكلب الأعور الذي يركض "العيال" كل مساء خلفه فى حارة مهران الضيقة ،
أسود وأعور ولديه رجل عرجاء .. هوفقط قبيح هذا كل ما يزعجهم هو بريء مثلي تماماً
لم يكن بإمكانه تغير لونه أو أن يعدل من عرجته .. شعره قليل جداً فى وسط رأسه
ويظهر منها لحمه الزهري فهو أقرع أجرب مثلي أو أصبحت أنا "قرعة" مثله لا
يهم .. فمنذ كنت هناك قديماً فى سن الثامنة تعودت أن أسخر من نفسي ومن ألامي
حتى لا أبكي .. ومع ذلك كنت أبكي .. ولم أتخلص من عادة السخرية البغيضة !
لا تزال تضحك لي مربية الحمام وتخبرني بلهجه أهل الفلاحين : "تفتكري مين فى الجو ده يشرب قصب ، ده الجو رصاص طوبة وبهدله طوبة تخلي الصبية كركوبة بس كتر خيره أدينا قاعدين جنب محله بنسترزق هو وفرن أبو إيهاب وجمال وسوخنيه العيش الراجل مقصرش وهستفتح بوشك الحلو ده النهاردة" .. لا أجيب عليها أحدق .. أومىء وأسكت ، حلقي يؤلمني بشده لا أستطيع أن أبتلع ريقي ..
تقرفص تأتي بأوز صغير أسود وأجنحته بيض - لما هناك طيور لا تطير ما فائدة الأجنحه إذن !- يُحاول أن يتملص منها هرباً لكنها تفتح منقاره على مصرعيه وتزغطه الفول المدشوش من طبق ألمونيوم صديء ، كان يأكل وكانت بطني تمغصني بالنيابة عنه ، وأشعر بالقيء يملأ صدري ورأتاي نيابه عن الأوز الصغير ..
لكن حلقي يؤلمني لن أقيء !!
تأتي امرأة مألوفه أبنها معي فى المدرسة وأراه يختلس النظرات إلى فى الحصص، أكره الصبيان أكرهم جداً أغبياء ولطلما كرهت على وجه الخصوص الصبيان المحدقون بي أو من يظهرون حباً وإعجاباً بي والحق إنه ظل يحبني حتى وصلنا للحادية عشر من العمر ولم يبالي بشعري الذي يشبه شعره أو نظاراتي البلاستكية الكبيرة وكوني ذات أربعة عيون، حتى جائني يتراقص لأن المعلمة "أبلة لوزة" أخبرته أن يناديني من الأسفل لم أحتمل فرحه قلبه الصغير بي وتغامز البنات وتحديقاته المستمرة ولم أدري إلا وأنا أصفعه قلمين على وجنتيه الصغيرة وهو يبكي، ثم أخذت "علقه حلوة" من المعلمة لن أنساها ما حييت لأني صفعته ..
ما علينا من هذا كم كرهت نفسي حينها والأن كرهتها حين تذكرت نشوتي بالقلم وبعقابه .. نعود لي ها هنا حلقي يؤلمني بشدة .. تغمز لي المرأة أم الولد تخبرني "ليه مرحتيش المدرسة النهاردة هقول لماما" وأخاف منها وأكرها جداً وكأنها بالفعل ستخبر أمي أو كأنها أصلا تعرف أمي ..
تدخل فى حديث مع بائعة الحمام تتعب من الوقف تأتي بحجر دبش كبير وتجلس عليه بعبائتها السوداء ومؤخرتها الكبيرة فى وجه المارة ..
وتحكي ..
"حكايات من الطواف فى الحارات"
لا تزال تضحك لي مربية الحمام وتخبرني بلهجه أهل الفلاحين : "تفتكري مين فى الجو ده يشرب قصب ، ده الجو رصاص طوبة وبهدله طوبة تخلي الصبية كركوبة بس كتر خيره أدينا قاعدين جنب محله بنسترزق هو وفرن أبو إيهاب وجمال وسوخنيه العيش الراجل مقصرش وهستفتح بوشك الحلو ده النهاردة" .. لا أجيب عليها أحدق .. أومىء وأسكت ، حلقي يؤلمني بشده لا أستطيع أن أبتلع ريقي ..
تقرفص تأتي بأوز صغير أسود وأجنحته بيض - لما هناك طيور لا تطير ما فائدة الأجنحه إذن !- يُحاول أن يتملص منها هرباً لكنها تفتح منقاره على مصرعيه وتزغطه الفول المدشوش من طبق ألمونيوم صديء ، كان يأكل وكانت بطني تمغصني بالنيابة عنه ، وأشعر بالقيء يملأ صدري ورأتاي نيابه عن الأوز الصغير ..
لكن حلقي يؤلمني لن أقيء !!
تأتي امرأة مألوفه أبنها معي فى المدرسة وأراه يختلس النظرات إلى فى الحصص، أكره الصبيان أكرهم جداً أغبياء ولطلما كرهت على وجه الخصوص الصبيان المحدقون بي أو من يظهرون حباً وإعجاباً بي والحق إنه ظل يحبني حتى وصلنا للحادية عشر من العمر ولم يبالي بشعري الذي يشبه شعره أو نظاراتي البلاستكية الكبيرة وكوني ذات أربعة عيون، حتى جائني يتراقص لأن المعلمة "أبلة لوزة" أخبرته أن يناديني من الأسفل لم أحتمل فرحه قلبه الصغير بي وتغامز البنات وتحديقاته المستمرة ولم أدري إلا وأنا أصفعه قلمين على وجنتيه الصغيرة وهو يبكي، ثم أخذت "علقه حلوة" من المعلمة لن أنساها ما حييت لأني صفعته ..
ما علينا من هذا كم كرهت نفسي حينها والأن كرهتها حين تذكرت نشوتي بالقلم وبعقابه .. نعود لي ها هنا حلقي يؤلمني بشدة .. تغمز لي المرأة أم الولد تخبرني "ليه مرحتيش المدرسة النهاردة هقول لماما" وأخاف منها وأكرها جداً وكأنها بالفعل ستخبر أمي أو كأنها أصلا تعرف أمي ..
تدخل فى حديث مع بائعة الحمام تتعب من الوقف تأتي بحجر دبش كبير وتجلس عليه بعبائتها السوداء ومؤخرتها الكبيرة فى وجه المارة ..
وتحكي ..
"حكايات من الطواف فى الحارات"
حـُــســـــن وكـــمـــال ،،
نقطتين من النور وجدا فى ظلام مستدير شديد .. كانتَ فوق بعضهما فى
إنقباضات قوية إحتضنا بعض .. بدا من بعيد من نفق طويل سهم مدبب مستنير نور واضح ..
نقطه وقفت ثابته والآخرى أرتعبت ووجدت مخبأ لها خوفاً من أن يشق السهم المدبب
قلبها وكأن للنور قلب ! .. تشبثت بعيد عن الإنقباضات .. وعن الإنزلاق وتركت حضن
أختها ، شق قلب النور السهم ولم يخترقها فقد ثبت بداخلها وتحرك بها لأعلى متشبثاً
بالرحم المظلم ، ظلت النقطة تشاهد أختها وفهمت أنها ما كان يجب أن تخاف وحاولت
التشبث بها ولكن ظلت تكبر وضاق علي نقطة النور الرحم المظلم وظلت تداعب نقطة النور
هذا الكائن العجيب الذي كان فى الأصل نقطة مثلها ، وتشعر بكئابه لا تعرف لما حتى
جائت طلقات طلقات عديدة لا تشبه الإنقباضات الأولى شيء يطردنا خارجاً .. تشبثت
النقطة فى خلف الرحم بعيداً ..
فى هذا التوقيت كانت هناك ملاين النساء يطلقن أبنائهن ، تطردهن أرحامهن أبناء وبنات لا يعرفن مصريهم بعد ولكنه قد كُتب وعنده كائن أو قد كان ،يصرخن مع كل طلقة يبكين ، ثم يضعن ما حملن ، ولكن هناك طفلة سوف تولد لم تكتمل فلم ينضج تؤمها بعد ، تطلق طلقاً عسيراً والطفلة ثقيله الظل تأبى النزول تحاول أن تصل لأختها النقطة وتخبرها النقطة فى الأنقباضات القادمة سوف أقف فى الممر منتظره السهم بلا خوف ، أسلمي نفسك للطلقات سوف تقتلي أمنا وهكذا لن أولد ، أمرأة ظلت تطلق أبنتها سبع ساعات ، لم تريد حمل الطفل لا تريد رؤية وجهها فهي تشعر بعد كل هذه الألام أنها لن تحبها .. لن تطعمها من ثديها ..
خرجت الطفلة وتابعها فيض من الدماء والنقطه متشبثه فى جدار أمها نبتت لها أشواك علقتها فيها ..
سمى الأب إبنته البكرية " كـــمــال" على أسم أباه فهو كان يريدها صبياً ولكن يعطي الله كلً بحساب، ويجب علينا الرضا ..
طوال سته أشهر وقبل أن تعرف الأم أنها ما إن أنقطع عنها النفاس حبلت كانت تحلم إنها لاتزال حاملاً وأن هناك إبن لها عالق فى الداخل .. حملت حملاً سهلاً خفيفاً .. وطلقت طلقات خفيفة فنقطة النور حقاً كانت متشبثه طوال هذه الفترة بكل إيمان إنها سوف تلقى أختها كمال قريباً .. حتى فى أظلم لياليها حين كان يحدث لرحم أمها تقلبات عجيبه كل شهر ويُغسل كل ما فيه ويحاول أن يوقعها كانت مؤمنة بوجود كمال التى ظلت تكبر أمامها وها هي حين نفرت أمها من أبيها .. لم تفقد الأمل وظلت فى كل الليالي القمرية واقفة عند الممر حتى جاء السهم أخترقها وهي مرحبة بكل ألم تكبر، وتسمع صوت قلبها يخفق للمرة الأولي .. ثم لصوت كسوتها اللحم ثم تقطقة عظامها كله مؤلم ، إعطاء الحياة مؤلم ولكنه جدير جدير جداً بخوض تلك التجربة .. والحياة جديرة بأن تعاش مع كل هذا الألم .. ما الحياة سوى ألم مبرح جميل مشتهى ..
طلقتها أمها فخرجت سريعاً ، فاتحة عيناها للألوان وأذناها للسمع وقلبها لصوت أختها التى تكبرها فى الوقت ،فقط الوقت ، وسمتها أمها حُـسـن لتكون كمال لأختها وأختها كمال لحسنها ..
تكبران معاً ، حُسن مقربه من أمها فتاتها المفضلة لجمالها شعرها الأسود الطويل سهل التسريح بشرتها التى تشبه المرمر بيضاء مطيعة وهادئة ومستمعة جيدة جداً ، أما كمال فلم تكن فتاة إمها المفضلة مع إنها بكريتها ولا تختلف كثيراً عن حُسن إلا فى الصوت الخشن المحشرج و الملامح فهي لا يطول لها شعراً ليس ناعم مسترسل كأختها ولكنه ثقيل خشن مجعد ، كلما كبرا كلما أتضحت ملامحهما ..
كبرت حُسن وكبر حسنها ، وأضائت كمال وأكملت أختها .. كمال أسنانها متعاركين بشدة فكل سنة من أسنانها مخاصمة أختها وبعيدة عنها ، ليست واضحه البياض كـأختها ولكنها سمراء قليلاً ، طُبع على ذقنها بطابع الحسن شعرها على سنها الصغير به شعرات بيضاء كثيرة من مقدمة جبهتها العريضة ، ثم بلا أي سبب أصابها البهاق مما قسم وجهها خطاً مائلاً من المنتصف نصف أبيض كالحرير ونصف أسمر كاليل .. مما زاد نفور أمها منها ، وكانت لا تحب أن تتطلع فى وجه كمال أبداً !! أو تحكي لها الحكايات كما تفعل مع حُسن .. هكذا نافرة بلا أسباب .. أم تكره حشاها !!
مع بلوغهما نحت جسم كمال كثمرة الكمثرى المقلوبة كانت ممتلئة من أعلى ورفيعه من أسفل، أما حسُن كانت كالحوريات كل ثنايتها مرسومة ،، لم تكن كمال تصيبها غيرة أو حزن أبداً من جمال أختها أو من نفور أمها منها ، لكن الأم من جمال حسُن أعيتها الأوهام فكانت كمال طوال الوقت تشرد في أختها التوأم المتأخر .. جميلة مثيرة جداً للتأمل كيف خرجنا من حشا واحد ؟! كانت تمشط شعرها وتفك ضفائر أمها وتقول لها هكذا أفضل بلا قيوض تحرري وهي تمشطها تتعوذ من شر عينها وتردد ماشاء الله تبارك المصور البديع ، وكانت كل ليلة تقرأ لأختها و"الشمس وضحاها والقمر إذا تلاها" ، فكانت كمال الشمس وحُسن هي القمر الذي تلاها ..
نومها كان مضطرب جداً ، ولا تهدأ حتى تنتهي أختها من رقيتها وتلاوة المعوزتين وتصلي على المصطفى فهو أحب أسماء النبي لها .. حتى تغفل عيني حُسن وتستكين فى نومتها ، كمال كان نومها قليل جداً ربما تنام كل يوم ساعتين أو ثلاث وكان ذلك يثير ريبة أمها جداً ..
كلما دخلت غرفتيهما وجدتها محدقه فى الفراغ فى نقطه معينة بالسقف ومهما نادتها لا تجيب ،، ظنت أن أبنتها الدميمة ذات نصف الوجه تسكنها الأرواح ،، نعم هي لا تشبه حُسن ولا تشبهني أخذت فقط عيون أبيها الحزينة التى تلومني على كل شيء .. لا يطول شعرها ولا يستقيم جسدها ، ولا تتكلم كثيراً وهادئة ومبتسمة وتخدعني بتلك الإبتسامات وهي تتربص بأختها ،،
كانت كمال تحكي لحُسن كل ليلة حكايات مختلفة عن الديب السحلاوي وديك البرابر، وأخوه يوسف وتغني لها فحسُن تحب الغناء حتى ولو كان خارج من حلق أختها المتحشرج ،، حسن لا تتكلم فلسانها ثقيل هكذا أخبر الطبيب أباها ، مسكينة الجميلة لكن أمها تراها كل ليلة تحرك شفاها وتحدث كمال وتضحكان ،،
حتى جاء اليوم المشؤوم وكانت أختها تصرخ وهي نائمة فلم يهدىء من روعها غير يد كمال على رأسها ورقيتها اليومية لها وترديد "والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها" -ونفس وما سواها خرجت من حشاها كمال مكمل غير مكتمل وحسن ناقص- ثم المعوزتين والصلاة وهكذا ،، فدخلت أمها وجدت البنت تحتضن البنت فظنت ما ظنت بأن البنت مسكونة بالأرواح وتتحرش بأختها الصغيرة ، وهي السبب فى إن البنت لسانها ثقيل ..
حبستها فى غرفة أخرى أستشارت الدجالين وبعض المشايخ وأصحاب العمم وأفتوا عن البنت ما أفتوا من الجن إلى المس حتى قيل إن روح ساحرة تلبستها وسوف تتمكن منها قريباً وتسلمهم جميعاً تحت تأثيرها وسحرها الأسود ،، وهكذا ما بين الأعتدال والدجل حتى إهتدوا إلى المرض النفسي ..
حُسن تسأل عن كمال بإستمرار وكمال لم تعد هنا ،، أخرجوها بالطبع من المدرسة وأخر سنينها فى الثانوية كانت هادئة متوسطة الذكاء وطامحة ،، أما حُسن أستمرت نوبات الكوابيس تطارضها حتى تحولت لصرع بدأ يصيبها بإنتظام حتى بدأت كمال تصيبها نفس نوبات الصرع فى نفس التوقيت ولكن بصورة أخف ،،
حتى أهتدت أمها إلى حل وسط يرضي والد كمال إنها ستنقلها إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية وسوف ترعاها صديقتها هناء الممرضه بالمشفى ، وبذلك تتخلص الأم من عبئ الدميمة وتتفرغ لعلاج الآخرى .. والتى تعتقد أن ما أصابها من غيرة أختها كمال منها ولم تكن تعرف أن إبعاد التوأمتان عن بعضيهما ما سيجعل البيت ينهار فوق رؤسهم .. نقتي النور لا يفترقان .. شمس تسطع وقمر منير "والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها"...
أتى للبيت ثلاثه رجال منهم أثنان ممتلئان أحدهم يرتدي نظاره بنيه متسخه يبدوان كتمرجيان أما الثالث من الواضح انه طبيب صغير فى السن متدرب ولكنه أنيق وعاقل ، توقعت الأم ثورة وغضب من جانب كمال وإنها ستلعنهم وتظهر على حقيقتها !
أبتسمت لأبيها وأعتذرت له إنها لم تولد جميلة لتعجبهم وربتت على كتفه ، وقبلت حُسن وحضنتها "لا تبتأسي سوف أنصت لكي هتسمعيني" قالت لها .. وكان وُلد لهم أخ صغيرإسمه جمال .. أبتسمت له وعاتبت أمها بنظره وأخبرت التمرجيان لا داعي للعنف أنا قادمة معكم لا تحبني هذه الأرض ولا هذه البطن التى حملتي ، فقط دعوني أحضر من غرفتي طرحتي ومصحفي الصغير ، "إطمئن لن أغلق الباب ورائي" موجهه كلامها للتمرجي لو تريد أن تأتي معي لتطمن فلتتبعني ، أحضرت مصحفها وطرحتها ونزلت ببجامتها اللبنية المليئة بالفيونكات الزهرية .. وطرحه حمراء ، بكتها حُسن وما إن نزلت كمال صُرعت البنت ، بكت كمال فى صمت فى الطريق الطويل المزدحم إلى المشفى ،،
دخلت فى هدوء ألقت التحية على صديقة أمها وجلست فى السرير الحديدي الملتسق بالجدار ،،
كانت نوبات صرعها قليلة ، تعرفت عليها إحدى زميلتها بالعنبر كان عنبر مزدحم وهادئ لأن كل من به حزانى أمراضهم قلبية لا عقلية .. كانت الست أم سعدية جارتي وهي من حكت لي حاكية كمال العجيبة !!
تقول أم سعدية :
" كنت أعاني من الذهان أتوهم أشياء وأشخاص يضربوني ويسرقوني ويتحدثون عني بسوء حتى تحسنت حالتي لا بالدواء ولكن على يد ست البنات كمال ،، كانت هادية وعاقلة وبتقعد جنب الحيطة ماسكه مصحفها تقراه وتقول يارب وتبكي وتقول يا حُسن ،، سألتها مين حسُن قال أختي توأمي الحلو هي القمر وأنا الشمس .. كرهوني لجل وشي مش عاجبهم .. لجل صوتي مخشن وشي نصين لكن قلبي واحد قلبي هو وش حُسن .
كنت عارفه إنها مختلفه وإنها مش عيانة بالرغم من صرعها الهادي اللي كان كل فين وفين .. لما كانت ياعيني بيجلها الصرع بتروح فى هدوء تاخد جلسه كهربا ، كان الكل بياخدها وخلاص ميعرفوش غيرها علاج حتى الأقراص والادوية لينا كلها هي هي مع أختلاف أمرضنا وشكوينا ،، تخلص وتيجي خلصانه وبتبكي وتحمد ربنا ، كان معانا أستغفر الله واحده من إياهم بنات دنيا الليل وكانت بنت ناس بس أهلها بخلوا عليها يدخلوها مستشفى نضيفه فرموها هنا أرخص وهي نكرت الدنيا والناس وربنا .. وساعتها كنت انا لسه صغيرة ومعرفش حاجة ومش فاهمة ، كانت تقولها بتحمديه على إيه ما هو بإيده يخلصنا من إللي إحنا فيه ده لو إحنا موجودين وهو كمان موجود ..
فتضحك وتسكت مكانتش تتكلم كتير لحد ما فيوم بيحكولي كنت بصرخ وبقول بيضربوني بيضربوني إظاهر إن حالتي أتأخرت .. بيحكولي قامت بنفس هدوئها ورقتني وكبرت فى وداني وفضلت على كده أربعين يوم بالتمام والكمال ، يخرج التمرجيه وينتصف الليل وتقوم ترقيني وتكبر وأنا بيقل الهمس فى وداني وتنعدم رؤية الهلاوس وأنام .. طبعاً الدكاترة ماكنوش مصدقين ده كان ذهان على خفيف بس أهو يشاء ربنا يشفيني على إيد الغلبانة دي .. فضلت أخد العلاج لفترة كانوا خايفين أرجع تاني ،، لحد ما خرجت من المستشفى بعد أربع شهور ووقفت الدوا وكل الستات والبنات فى العنبر عاقلين ومجانين ومدمنين بيروحلها بس تقرا لهم سورة ولا إتنين وتسمع العنبر يقلب عياط ، مع إن صوتها تحسه محشرج لكن كلام ربنا منها يوجع وبيدوس فى حته جوه وبيلمسنا وإحنا ولا فاهمين كلمة ..
وفضلت أزورها ماكنش حد من أهلها بيسأل عليها لحد ما إتمنعت عنها الزيارة قال إيه بتسهر العنبر وبتثير المشاكل عشان بنت من بنات عنبر الجنائيات هربت بليل وفضلت تخبط على عنبرها وتقول كلام عجيب جداً وتقولها إلحقي حُسن أختك بتندهلك ، وتصرخ وتقولها تعرفيها منين في إيه ، ويضربوا البنت ويحبسوها فتثور كمال لحد ما فضلت فى غرفة لوحدها ولما خرجوها ومستحملوش وجودها فى المستشفى وإنقطعت كل الإتصالات بأهلها رموها فى الشارع زي أي عيان فى البلد دي مالوش أهل فبيكون الشارع أهله .. ملقتش أهلها وقعدت على الطريق ومن طريق لطريق لحد طنطا تمشى وتنده وتقول يا رب حُسن دلني على حُسن ..
هكملك بس بكرة لازم أروح أحط الأكل للراجل والعيال ..
....
فى هذا التوقيت كانت هناك ملاين النساء يطلقن أبنائهن ، تطردهن أرحامهن أبناء وبنات لا يعرفن مصريهم بعد ولكنه قد كُتب وعنده كائن أو قد كان ،يصرخن مع كل طلقة يبكين ، ثم يضعن ما حملن ، ولكن هناك طفلة سوف تولد لم تكتمل فلم ينضج تؤمها بعد ، تطلق طلقاً عسيراً والطفلة ثقيله الظل تأبى النزول تحاول أن تصل لأختها النقطة وتخبرها النقطة فى الأنقباضات القادمة سوف أقف فى الممر منتظره السهم بلا خوف ، أسلمي نفسك للطلقات سوف تقتلي أمنا وهكذا لن أولد ، أمرأة ظلت تطلق أبنتها سبع ساعات ، لم تريد حمل الطفل لا تريد رؤية وجهها فهي تشعر بعد كل هذه الألام أنها لن تحبها .. لن تطعمها من ثديها ..
خرجت الطفلة وتابعها فيض من الدماء والنقطه متشبثه فى جدار أمها نبتت لها أشواك علقتها فيها ..
سمى الأب إبنته البكرية " كـــمــال" على أسم أباه فهو كان يريدها صبياً ولكن يعطي الله كلً بحساب، ويجب علينا الرضا ..
طوال سته أشهر وقبل أن تعرف الأم أنها ما إن أنقطع عنها النفاس حبلت كانت تحلم إنها لاتزال حاملاً وأن هناك إبن لها عالق فى الداخل .. حملت حملاً سهلاً خفيفاً .. وطلقت طلقات خفيفة فنقطة النور حقاً كانت متشبثه طوال هذه الفترة بكل إيمان إنها سوف تلقى أختها كمال قريباً .. حتى فى أظلم لياليها حين كان يحدث لرحم أمها تقلبات عجيبه كل شهر ويُغسل كل ما فيه ويحاول أن يوقعها كانت مؤمنة بوجود كمال التى ظلت تكبر أمامها وها هي حين نفرت أمها من أبيها .. لم تفقد الأمل وظلت فى كل الليالي القمرية واقفة عند الممر حتى جاء السهم أخترقها وهي مرحبة بكل ألم تكبر، وتسمع صوت قلبها يخفق للمرة الأولي .. ثم لصوت كسوتها اللحم ثم تقطقة عظامها كله مؤلم ، إعطاء الحياة مؤلم ولكنه جدير جدير جداً بخوض تلك التجربة .. والحياة جديرة بأن تعاش مع كل هذا الألم .. ما الحياة سوى ألم مبرح جميل مشتهى ..
طلقتها أمها فخرجت سريعاً ، فاتحة عيناها للألوان وأذناها للسمع وقلبها لصوت أختها التى تكبرها فى الوقت ،فقط الوقت ، وسمتها أمها حُـسـن لتكون كمال لأختها وأختها كمال لحسنها ..
تكبران معاً ، حُسن مقربه من أمها فتاتها المفضلة لجمالها شعرها الأسود الطويل سهل التسريح بشرتها التى تشبه المرمر بيضاء مطيعة وهادئة ومستمعة جيدة جداً ، أما كمال فلم تكن فتاة إمها المفضلة مع إنها بكريتها ولا تختلف كثيراً عن حُسن إلا فى الصوت الخشن المحشرج و الملامح فهي لا يطول لها شعراً ليس ناعم مسترسل كأختها ولكنه ثقيل خشن مجعد ، كلما كبرا كلما أتضحت ملامحهما ..
كبرت حُسن وكبر حسنها ، وأضائت كمال وأكملت أختها .. كمال أسنانها متعاركين بشدة فكل سنة من أسنانها مخاصمة أختها وبعيدة عنها ، ليست واضحه البياض كـأختها ولكنها سمراء قليلاً ، طُبع على ذقنها بطابع الحسن شعرها على سنها الصغير به شعرات بيضاء كثيرة من مقدمة جبهتها العريضة ، ثم بلا أي سبب أصابها البهاق مما قسم وجهها خطاً مائلاً من المنتصف نصف أبيض كالحرير ونصف أسمر كاليل .. مما زاد نفور أمها منها ، وكانت لا تحب أن تتطلع فى وجه كمال أبداً !! أو تحكي لها الحكايات كما تفعل مع حُسن .. هكذا نافرة بلا أسباب .. أم تكره حشاها !!
مع بلوغهما نحت جسم كمال كثمرة الكمثرى المقلوبة كانت ممتلئة من أعلى ورفيعه من أسفل، أما حسُن كانت كالحوريات كل ثنايتها مرسومة ،، لم تكن كمال تصيبها غيرة أو حزن أبداً من جمال أختها أو من نفور أمها منها ، لكن الأم من جمال حسُن أعيتها الأوهام فكانت كمال طوال الوقت تشرد في أختها التوأم المتأخر .. جميلة مثيرة جداً للتأمل كيف خرجنا من حشا واحد ؟! كانت تمشط شعرها وتفك ضفائر أمها وتقول لها هكذا أفضل بلا قيوض تحرري وهي تمشطها تتعوذ من شر عينها وتردد ماشاء الله تبارك المصور البديع ، وكانت كل ليلة تقرأ لأختها و"الشمس وضحاها والقمر إذا تلاها" ، فكانت كمال الشمس وحُسن هي القمر الذي تلاها ..
نومها كان مضطرب جداً ، ولا تهدأ حتى تنتهي أختها من رقيتها وتلاوة المعوزتين وتصلي على المصطفى فهو أحب أسماء النبي لها .. حتى تغفل عيني حُسن وتستكين فى نومتها ، كمال كان نومها قليل جداً ربما تنام كل يوم ساعتين أو ثلاث وكان ذلك يثير ريبة أمها جداً ..
كلما دخلت غرفتيهما وجدتها محدقه فى الفراغ فى نقطه معينة بالسقف ومهما نادتها لا تجيب ،، ظنت أن أبنتها الدميمة ذات نصف الوجه تسكنها الأرواح ،، نعم هي لا تشبه حُسن ولا تشبهني أخذت فقط عيون أبيها الحزينة التى تلومني على كل شيء .. لا يطول شعرها ولا يستقيم جسدها ، ولا تتكلم كثيراً وهادئة ومبتسمة وتخدعني بتلك الإبتسامات وهي تتربص بأختها ،،
كانت كمال تحكي لحُسن كل ليلة حكايات مختلفة عن الديب السحلاوي وديك البرابر، وأخوه يوسف وتغني لها فحسُن تحب الغناء حتى ولو كان خارج من حلق أختها المتحشرج ،، حسن لا تتكلم فلسانها ثقيل هكذا أخبر الطبيب أباها ، مسكينة الجميلة لكن أمها تراها كل ليلة تحرك شفاها وتحدث كمال وتضحكان ،،
حتى جاء اليوم المشؤوم وكانت أختها تصرخ وهي نائمة فلم يهدىء من روعها غير يد كمال على رأسها ورقيتها اليومية لها وترديد "والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها" -ونفس وما سواها خرجت من حشاها كمال مكمل غير مكتمل وحسن ناقص- ثم المعوزتين والصلاة وهكذا ،، فدخلت أمها وجدت البنت تحتضن البنت فظنت ما ظنت بأن البنت مسكونة بالأرواح وتتحرش بأختها الصغيرة ، وهي السبب فى إن البنت لسانها ثقيل ..
حبستها فى غرفة أخرى أستشارت الدجالين وبعض المشايخ وأصحاب العمم وأفتوا عن البنت ما أفتوا من الجن إلى المس حتى قيل إن روح ساحرة تلبستها وسوف تتمكن منها قريباً وتسلمهم جميعاً تحت تأثيرها وسحرها الأسود ،، وهكذا ما بين الأعتدال والدجل حتى إهتدوا إلى المرض النفسي ..
حُسن تسأل عن كمال بإستمرار وكمال لم تعد هنا ،، أخرجوها بالطبع من المدرسة وأخر سنينها فى الثانوية كانت هادئة متوسطة الذكاء وطامحة ،، أما حُسن أستمرت نوبات الكوابيس تطارضها حتى تحولت لصرع بدأ يصيبها بإنتظام حتى بدأت كمال تصيبها نفس نوبات الصرع فى نفس التوقيت ولكن بصورة أخف ،،
حتى أهتدت أمها إلى حل وسط يرضي والد كمال إنها ستنقلها إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية وسوف ترعاها صديقتها هناء الممرضه بالمشفى ، وبذلك تتخلص الأم من عبئ الدميمة وتتفرغ لعلاج الآخرى .. والتى تعتقد أن ما أصابها من غيرة أختها كمال منها ولم تكن تعرف أن إبعاد التوأمتان عن بعضيهما ما سيجعل البيت ينهار فوق رؤسهم .. نقتي النور لا يفترقان .. شمس تسطع وقمر منير "والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها"...
أتى للبيت ثلاثه رجال منهم أثنان ممتلئان أحدهم يرتدي نظاره بنيه متسخه يبدوان كتمرجيان أما الثالث من الواضح انه طبيب صغير فى السن متدرب ولكنه أنيق وعاقل ، توقعت الأم ثورة وغضب من جانب كمال وإنها ستلعنهم وتظهر على حقيقتها !
أبتسمت لأبيها وأعتذرت له إنها لم تولد جميلة لتعجبهم وربتت على كتفه ، وقبلت حُسن وحضنتها "لا تبتأسي سوف أنصت لكي هتسمعيني" قالت لها .. وكان وُلد لهم أخ صغيرإسمه جمال .. أبتسمت له وعاتبت أمها بنظره وأخبرت التمرجيان لا داعي للعنف أنا قادمة معكم لا تحبني هذه الأرض ولا هذه البطن التى حملتي ، فقط دعوني أحضر من غرفتي طرحتي ومصحفي الصغير ، "إطمئن لن أغلق الباب ورائي" موجهه كلامها للتمرجي لو تريد أن تأتي معي لتطمن فلتتبعني ، أحضرت مصحفها وطرحتها ونزلت ببجامتها اللبنية المليئة بالفيونكات الزهرية .. وطرحه حمراء ، بكتها حُسن وما إن نزلت كمال صُرعت البنت ، بكت كمال فى صمت فى الطريق الطويل المزدحم إلى المشفى ،،
دخلت فى هدوء ألقت التحية على صديقة أمها وجلست فى السرير الحديدي الملتسق بالجدار ،،
كانت نوبات صرعها قليلة ، تعرفت عليها إحدى زميلتها بالعنبر كان عنبر مزدحم وهادئ لأن كل من به حزانى أمراضهم قلبية لا عقلية .. كانت الست أم سعدية جارتي وهي من حكت لي حاكية كمال العجيبة !!
تقول أم سعدية :
" كنت أعاني من الذهان أتوهم أشياء وأشخاص يضربوني ويسرقوني ويتحدثون عني بسوء حتى تحسنت حالتي لا بالدواء ولكن على يد ست البنات كمال ،، كانت هادية وعاقلة وبتقعد جنب الحيطة ماسكه مصحفها تقراه وتقول يارب وتبكي وتقول يا حُسن ،، سألتها مين حسُن قال أختي توأمي الحلو هي القمر وأنا الشمس .. كرهوني لجل وشي مش عاجبهم .. لجل صوتي مخشن وشي نصين لكن قلبي واحد قلبي هو وش حُسن .
كنت عارفه إنها مختلفه وإنها مش عيانة بالرغم من صرعها الهادي اللي كان كل فين وفين .. لما كانت ياعيني بيجلها الصرع بتروح فى هدوء تاخد جلسه كهربا ، كان الكل بياخدها وخلاص ميعرفوش غيرها علاج حتى الأقراص والادوية لينا كلها هي هي مع أختلاف أمرضنا وشكوينا ،، تخلص وتيجي خلصانه وبتبكي وتحمد ربنا ، كان معانا أستغفر الله واحده من إياهم بنات دنيا الليل وكانت بنت ناس بس أهلها بخلوا عليها يدخلوها مستشفى نضيفه فرموها هنا أرخص وهي نكرت الدنيا والناس وربنا .. وساعتها كنت انا لسه صغيرة ومعرفش حاجة ومش فاهمة ، كانت تقولها بتحمديه على إيه ما هو بإيده يخلصنا من إللي إحنا فيه ده لو إحنا موجودين وهو كمان موجود ..
فتضحك وتسكت مكانتش تتكلم كتير لحد ما فيوم بيحكولي كنت بصرخ وبقول بيضربوني بيضربوني إظاهر إن حالتي أتأخرت .. بيحكولي قامت بنفس هدوئها ورقتني وكبرت فى وداني وفضلت على كده أربعين يوم بالتمام والكمال ، يخرج التمرجيه وينتصف الليل وتقوم ترقيني وتكبر وأنا بيقل الهمس فى وداني وتنعدم رؤية الهلاوس وأنام .. طبعاً الدكاترة ماكنوش مصدقين ده كان ذهان على خفيف بس أهو يشاء ربنا يشفيني على إيد الغلبانة دي .. فضلت أخد العلاج لفترة كانوا خايفين أرجع تاني ،، لحد ما خرجت من المستشفى بعد أربع شهور ووقفت الدوا وكل الستات والبنات فى العنبر عاقلين ومجانين ومدمنين بيروحلها بس تقرا لهم سورة ولا إتنين وتسمع العنبر يقلب عياط ، مع إن صوتها تحسه محشرج لكن كلام ربنا منها يوجع وبيدوس فى حته جوه وبيلمسنا وإحنا ولا فاهمين كلمة ..
وفضلت أزورها ماكنش حد من أهلها بيسأل عليها لحد ما إتمنعت عنها الزيارة قال إيه بتسهر العنبر وبتثير المشاكل عشان بنت من بنات عنبر الجنائيات هربت بليل وفضلت تخبط على عنبرها وتقول كلام عجيب جداً وتقولها إلحقي حُسن أختك بتندهلك ، وتصرخ وتقولها تعرفيها منين في إيه ، ويضربوا البنت ويحبسوها فتثور كمال لحد ما فضلت فى غرفة لوحدها ولما خرجوها ومستحملوش وجودها فى المستشفى وإنقطعت كل الإتصالات بأهلها رموها فى الشارع زي أي عيان فى البلد دي مالوش أهل فبيكون الشارع أهله .. ملقتش أهلها وقعدت على الطريق ومن طريق لطريق لحد طنطا تمشى وتنده وتقول يا رب حُسن دلني على حُسن ..
هكملك بس بكرة لازم أروح أحط الأكل للراجل والعيال ..
....
عملت كمال بإحدى محلات اللانجيري المتواضعة بطنطا وبالرغم من غريب
خلقتها إلا إن حُسن خلقها كان يفتح لها كل ما أغلق من أبواب ، تبيع مواد الهوى
للنساء وتنصحهن وهي عذراء بكر حزينة إن حملتن أحببن حشاكم من أول يوم وتشبثن به
ليتشبث بكن ،، تضحكن النساء ويرحلن ، حتى أتت فتاة عشرينية أصغر من كمال بخمسه عشر
عام تخبرها أنها تعرف قصتها ، من أم سعدية التى كانت جارتهم فى المطرية قديماً
وإنها بحثت عنها فى كل مكان تريد منها فقط رقيتها ،وأن شيئاً ما أخذها اليوم إلى
طنطا كما أخذتني قدماي قبلاً إلى الأسكندرية والمرسي والمرسي أرسلني إلى طنطا ،
كانت تدور فى مقام السيد البدوي حتى غالبها النعاس ، فسمعت صوت السيد يخبرني هناك
على بعد شارعين بين الحوانيت تعثرين على كمال فى غير محلها بين ملابس للهوا
واخبريها أن تأتي لها عندي قطعتين من الملبن الأحمر واحدة لكمالها والأخرى لحسنها
، كيف تعيش ببلدنا سبعة أعوام دون زيارة وإلقاء تحية ،والحقيقة إنني لم أفهم ما
يعنيه رحت أبحث عنك بين الحوانيت ولولا أن أم سعدية أرتنا صورة لكِ كانت تحتفظ بها
معها منذ أيام المشفى لما عرفتك ولولا هذا الخط الجميل الذي يقسم وجهك يا كمال !!
أنا متزوجه منذ اربعة أعوام ولا يتم لي حمل فقط دعي يديك هاتين فوق
رحمي وأرقيني بما يأذن لكي به الله "الراجل هيتجوز عليا" ..
تدور العديد من الأسئلة داخل كمال وتستحى أن تسأل الفتاة عنها تضع
يدها اليمنى السمراء ويدها اليسرى البيضاء فوق رحم الفتاة وتسمي الله وترقيها ، ثم
تتذكر حُسن ورقيتها لها فنسيت وقرأت " والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها ونفس
وما سواها فألهمها فوجورها وتقواها" ..
تسري رعشة خفيه وتنميل طفيف فى جسد الفتاة تبكي تحضن كمال ويتبدلان
الأرقام وترحل الفتاة ، تتوضأ كمال تلف طرحتها فوق شعرها الكثيف المجعد وتذهب خجلة
إلى مسجد السيد البدوي ،، تبكي تقرأ فى مصحفها الصغير لا شيء يحدث خارجها لكن
داخلها حدث الكثير من راحة خفية وبسمات تتلاقها من المارة وكأن أهل الأرض يعرفون
من هي كمال ويعرفون أكثر عن حُسن .. يحدث أن تنام بلا منومات ترى توئمها التى
تأخرت فى المجيء بستة أشهر تناديها ليلعبان فى الحدائق المبهجة ، ترى كل فرشات
وجنيات أحلامها حولهن وهي كعادتها تأخذ حسن بين ذراعيها وبيدها اليسرى البيضاء
تلامس شعر أختها حتى يغالبها النعاس فوق تلك الأسرة الطوال المقطعة لهم من سُحب
بيض بجوارهم أقمار ساطعة ..
أصبحت زيارة السيد طقس يومي حتى ذهبت إحدى أيام الثلاثاء ، هي لا تحب
أيام الثلاثاء حتى هتف بها هاتف أن الثلاثاء يزهر لمن يرويه ، ذهبت إلى مقام السيد
وجلست بركنها الأخضر الدافيء ومعها دفتر وقلم وبيدها اليسرى البيضاء خطت يا الله
اللهم إني أسألك الحُسن ، اللهم إني أسألك لحُسن الكمال ، شقت الورقة طوتها ثم
وضعتها فى مقام السيد وهي تستنكر تلك الأفعال لكنها فعلتها ، حتى لا يقال إنها رأت
باباً ولم تطرقة ،،
هناك شاباً يرمقها من بعيد من خلف نظارته التى توحي بإن له مكانه ما
، تجري الدماء بعروقها كجريان بحر لا سريان نهر !!
يسأل الشاب الذي يبدو من هيئته إنه ربما بأواخر العشرينات يسأل صاحب
المقام هل لي أن أحدثها يا حضرتنا يا أهلنا يا سيدنا ؟!
فتلقى الإجابة حينما همت هي بالرحيل تلبس حذائها الرث البالي المليء
بالخيوط التى تغلق أفواة الحذاء ، فهي لا تملك سوى الخمسة مئة جنيهاً كل شهر ..
وبلا أي تردد يخبرها يا ست كمــال : "تتجوزيني" !!
تضحك تظنها مزحة فهي في قرارة نفسها مؤمنة أن الحسن كله فى حُسن
وأنها النسخة المشوهة عن أختها وأنها هي من أخذت صوتها فخرج منها محشرجاً كالرجال
لأنها أخذت صوتاً جميلة من حنجرة أختها ، تستهين بجسدها الممتلى تستحى منه ،
وأسنانها المتفارقين وهذا البهاق ، تتيقن إنه مجنون وهو مبتسم ويخبرها يا ست كمال
أجبيني ،،
وهي تضحك حد البكاء وتخبره بصوت غير صوتها أعتذر منك ، تندهش من هذا
الصوت الصافي بلا حشرجة الذي تسمعه لأول مرة وتدير راسها وجسدها وترحل حتى يهتف
الهاتف الدكتور هاني هنا ليعالج ما عطب من روح وما تلف فى الجسد أديري رأسك ووافقي
،، تستدير لتجده يلحق بها فتخبره أسمك هاني ؟!
يٌجب عرفتي منين ؟
تخبره هل أنت طبيب ؟!
يندهش ويخبرها نعم
فيندهشان معاً هو لا يعرفها ولكنه مراراً وتكراراً يحلم بنقطه نور
تقع فوق صدره وتخترق قلبه ويعرف ذلك الأحساس لأنه عند السيد حدث ذلك مراراً وتكراراً
كلما نظر إلى كـمال ..
أخبرها هــاني بكل شيء عنـه وأنه طبيب أطفال من القاهرة كان هنا
لزيارة خالته الست زهرة ..
وأخبرها إنه يعرف الحب حينما يراه وهو أحبها وأن هاني جاء ليجعل كمال
هنية بيه ومعه ، أخبرته كل شئ عن أهلها وأختها حتى عن المشفى وأرته حذائها البالي
ثم إنها تكبرة بسبعة سنوات ، حتى وإن كنت جئتني كملاك من السموات "هتقول
لأهلك عني إيه " ،، سوف أخبرهم "أحببتها وكفى" ..
يتزوجان ويعقد قرانهما فى مقام السيد ،، تختفى حشرجة صوتها إلى الأبد
هكذا دون مقدمات وكأن أسهم هاني تلك "تسلك كل ما علق بخباياها " تصلح كل
ما عطب وترد الروح للجسد كل لمسات هاني علاج فهو أكثر من مجرد طبيب ، كان دئماً
يصلي على النبي حين يهم بلمس زوجته كمال " اللهم صلي على سيدنا محمد البلسم
النافع والترياق الدافع" ، تتحسن صورة كمال فهي كامله من الداخل وبالحب وبكل
هذا الكم من كرم الله كمالها الداخلي يظهر على صورتها الخارجية هذا البهاق يتحول
إلى لوحة فنية فريدة يعشقها هاني الهاني .. أسنانها حتى جسدها بدأت تحبه فأمتشق
كقوام أختها حسن ،
الحياة مع هاني كانت هنية جميلة كما وعدها بغض النظر عن مضياقات أهل
هاني مضى عامان من هناء كمال بهاني لكن تنقصها حُسن حتى جمال أخوها الصغير تشتاق
إليه وينتابها الفضول فى معرفة كيف أصبح جمال !! فجمال كان جميلاً كحُسن .. وكمال
لا تكتمل بدون نقطة النور الأخرى فهما تؤمتان رغماً عن أنف أمها !!
يرن جرس منزلها تفتح لتجد سيدة جميلة بين ركبتيها طفلين يشبهان
بعضهما تعرفها وتضحك فتستبشر هي الفتاة التى دلتها على السيد البدوي لديها تؤمان
الأن !!
تدخل المنزل وتخبرها كمال : "سمتيهم إيه ؟"
تقول : آمن وآمنة وهنا أيضاً وتشير إلى حشاها أعتقد سوف تكون كمال
ما جئت فقط لأشكرك فهذا فضل الله وأنتِ سبب لكني أخبرك بإن أم سعدية
عرفت لأهلك عنوان أختك بحاجة إليك وأمك قد أنهكها المرض وأصيبت بعلتك التى أدعت
إنها عندك !
تندهش كمال وقبل أن تحرك شفتيها لتجيب تكمل الفتاة
وأخبروني أنك تحملين حملاً هيناً ليناً جميلاً يا ست كمال !
لم تبالي كمال لموضوع الحمل هذا على قدر رغبتها فى أن يكون لها طفل
من هاني إلا أن ما شغلها الأن هو حـسـُن ..
أخذت العنوان راحت تكوي عبائتها الملونة وتلم شعرها المجعد الذي
أخيراً قد طال ولمس ظهرها كغجرية ساحرة تحت طرحتها الزهرية ، تتأبط زراع هاني
ويذهبان إلى أحد أحياء السيدة زينب منزل مهجور وراء الميضة ، تصعد السُلم ، تترك الباب
لتسمع صوت جميل يقول بتلعثم شديد إفتح يا جمال ، لتجد أخاها يقف أمامها يخبرها مين
حضرتك وتنظر خلفه لتجد فتاة حسناء تقف بجلباب متسخ بقطرات من العدس وشعر أسود
كاليل وعيون تنهمر دموعها وتخبرها كـمـال أهذه أنتِ يا "أختي " فيحتضنان
حضن لم يحدث سوى مرة فى حشاة أمهما ، وعرفها أخوها وضمها ..
وكما تنتهى حواديت الأطفال السعيدة تلك حقاً قصة حقيقية سعيدة لكمال
الهنية وحٌسن لتنجب كمال أخيراً فتاة تشبة خالتها وتسميها حـُــســـن الــكمال أسم
مركب للقاء طويل وصبر وعطية من رب جميل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتذكر أمي وعودتها من العمل وحلقي لازال يؤلمني .. أخبرها إنني أيضاً
أود أن أستمع لحكايات آخرى ولكن حلقي يؤلمني وأمي فى إنتظاري .. أركض للبيت وأخبر
نفسي كيف لفتاة أن يكون لوجهها لونان وأسمها كمال وأسنانها متباعدة متعاركة شيء
عجيب !!
الكل فى حارتنا يروى الحواديت وكلها بشكل أو بآخر متعلقه بالله أعظم
راوي الحواديت ،، مساك الله بالخير يا شيخ نصر .
انتي ازاي متكمليش! ده انتي احسن من ناس كتير بتكتب و ليها كتب! استمرييييييي
ردحذفاجمل مجدي والله
حذف