"إن كتب أخي الصغيرعني ماذا سوف يقول ؟!"
لا أعرف كيف أكتب ولكني وبعد ذلك الوقت الطويل الذي مضى أريد أن أتحدث عن أختي ..
فلم يوفى أحداً عنها مهما قال كلام طيب أو خبيثاً أو عن تعقيدتها ..
هي من عرفتني على العالم والوحيدة التى سمحت لي أن أشاركها أسرارها وسطح عالمها وكانت تجعلني أجالس نجماتها وأخبرتني عن الشهاب وعن الأمنية وعن القمر .. وحدثتني عن أجنحه الملائكة .. وخوفتني من شياطين الحمام وشياطين غرفة أمي بالمنزل القديم ..
أختي علمتني كيف أحلم فى حين أن أمنا لم تكن هنا لتخبرنا عن الأحلام سوى أن نتعوذ من الشيطان فى كوابيسنا أمنا مهوسه بالجن والشياطين وأن كل ما تراه وتسمعه من أعمالهم .. تقريباً أمي وأبي هم شغل الجن الشاغل ..
الحق أن أمنا لم تكن يوماً معنا .. لم تكون يوماً أمنا .. لم تعطنا من وقتها الثمين أذن تنصت بإهتمام ولو لدقيقتان من عمرها حتى ذهبتا كلتا الأذنين ولم تسمع مرة عن حبنا أو شكوانا ، مع إنني الأكثر حظاً من إخوتي فأنا الصغير المحبب المقرب ، لكن حتى هذا المقرب لم ينل كفايته منها .. ومن أبداً ينل كفايته من أمه ؟!
أختي دافعت عني حين تغيب والدي عن الحضور إلى المدرسة .. وحين تغيب صوته عن قول الحق على سلم بيت العائلة وحين تغيب عن كل شيء .. الحقيقة هو غائب عن الحياة إلا عن نفسه .. الحمدلله على وجود أختي ساعتها ..
سوف يكون غريباً إن قولت أن أختي جميلة وأن أصف ملامحها بحب هي تشبه أمي كثيراً الوجه المستدير الإبتسامه نفسها ، يعني أمي وأختي بالطبع لم يكونا أجمل نساء أهل الأرض ولكنهم مليحات جداً فى نظري ..
أختي كانت مرحة جداً كنا نلعب نلعب حفاة القدم فوق سطح البيت القديم ، أكبر مني بسبع سنوات وكانت لا تستحي من أن تغمض عينيها وتركض خلفي بحثاً ، كانت تختبئ مني تحت الطاولة الكبيرة وتغني معي بصوت بشع وعال ، حتى حينما دخلت الجامعة ظللنا نقوم بالمقالب من خلف الشباك .. ونلبس الملابس الداخليه فوق ملابسنا وعلى رؤسنا ونقف فى البلكونة نكركر بصوت عالِ وبشع ..
فى الشارع لا تبالي وتلبس ملابسي ونمشي كأخين متجاورين لم يكن ينقصها غير الشارب كانت تشبهني جداً بإستثناء إختيارها للنظارات العجيبة ولفه طرحتها المبهدلة دائماً ، لا تضع العطر ولكن حين تفعل يصبح عطرها هي وحدها حتى وإن شممته على ملاين البنات هذا عطر اختي .. كانت ترسل لي الرسئال النصيه فى هاتفي بكلمات جدي الأباحية .. أكون فى وسط أحد دروسي وأضحك ..
كانت تكتب أسمي على كل دفاترها وتكتب فى رسائل حب ، فلم نعرف لها حبيباً أبداً .. تقدم لخطبتها الكثير من الرجال النضج أكبر منها بكثير ، وواحد كادت أن تتورط معه فى خطبه لأنه لا يعجب أمي وهي تريد أن تنتقم منها ، فأنتقمنت من نفسها ، حتى لازت بالفرار حين أغضبت أمي وعرفت أن هذا الشخص بغيض يخسرها روحها وتظل مشوهه وخائفه من نفسها .. حتى صارت تحمي نفسها تماما من الرجال فهم كما تقول أوغاد حتى وإن كانوا اتقياء أنقياء أستخلصهم الله وخلصهم ولكنه لم يخلصهم من كونهم رجال ربما لذلك هي أحياناً تنفر مني أنا وأخي الكبير !!..
باعدت بيننا سنتين وكبرت هي وإزدادت إضطراباً وقلقاً .. وكبرت أنا أيضاً وزداد شاربي ونبتت لي زقن .. قل بيننا العناق وازدادت كلمات الحب ..
أختي منذ أن وعيت عليها وهي حزينه بطريقتها دائماً العزلة والتوحد والبكاء .. ولا يصح أن نقطع عليها عزله أو نقلل من شأن بكائها على عكس ما كنت تفعله أمي ليس معها وحدها لكن معي أنا أيضاَ وإن قل تسخر من بكائنا ... فأمنا تميل لحب الذكور وبالرغم أن أختي إبنتها الوحيدة لم تعرف أمي أن تعدل بيننا أنا نفسي كنت أعرف أني المفضل بعد أن تركنا أخي الكبير وتزوج ..
كانت دئماً مقيمة فوق سطح بيتنا القديم تنظر للسماء وأنا بجوارها وتلمع على وجنتيها قطرات الدموع وأسمعها تهمس مع الله ثم تأتيها الضحكات هكذا دون أن يكلمها أحد .. حينها كانت صغيرة بشعرها الأحمر المتناثر الخشن ..
ثم كبرت وكبرت كانت دئماً كأمي أحكي لها عن الفتاة التى احببتها لأنها تشبهها فهي مستديره الرأس تلبس النظارات وجهها أبيض ولكن شعرها بني ناعم دائماً تقوم أمها فى عمله ضفيرة .. ولأن أسمها كأسم أختي .. هكذا بهذه البساطة إسمها مـريــم
أحببت كل البنات اللواتي يشبهن أختي .. مع إنها حين تسألني:" يا علي هو إنتَ شايفني حلوة ؟!" ، كنت أجيب "ده إنتِ معفنة بصي شعرك منعكش إزاي" فكانت تضحك وتعرف فى قراره نفسها إنها حلوة حلوة أوي لم تحتاج إلى رأينا أبداً حيث إنها كانت ترى نفسها هكذا بالفعل بالرغم من شعرها المجعد الأحمر المتناثر فى كل الجهات وثقيل وكأنه من عشيرة يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ..
وتكبر أختي وتقل غزارة شعرها وتلمه فى كعكة وحيدة حزينه ونزداد بعداً عن من معنا بالمنزل .. وتزيد هي كئابه وحزناً وأراها تكتب كثيراً ، كانت تكتب الجوابات ، كتبت لأمي الكثير ولأبي أكثر ولكنهم بطبيعه الحال لم يبالوا سوى بإخطاء أختي الإملائية ..
وكانت تكتب عني وعن أخانا الكبير ..
أصبحت متوحدة أكثر من ذي قبل تزيد فترات إكتئباها وعزلتها .. أطرق باب غرفتها فتخبرني أرحل لست بخير الأن أو أدخل وهي تجفف دموعها .. أخبرها ما بك .. تقل لي ليس هناك شئ ليس هاماً .. تشرد كثيراً .. أسمعها تخبر نفسها كفى كفاكي بالله عليكي أرحميني .. ثم قصت شعرها بعد أن أعتدل وأحبها فهي مع كل شيء مذكر أحبها أقتلعته من الجذور ..
دائماً ما كنت أريد أن أحتضنها وأهم بذلك فتصرخ بي لا تلمسني مع إني كنت آراها تحضن زوجه أخي وبنات العائلة وصديقتها وأراها تكتب عن الأحضان فلما أنا لا !! كانت تحتضنني كثيراً والأن لا تحتضن سوى أخانا الكبير وسريرها .. حتى النوم الكثير غادرها فيظل نور غرفتها مضائا بالساعات تسهر عاكفه على تأمل السقف والجدران أو تحدث قطتنا عبود فهو المفضل لها كما أنا بالنسبة لأمي .. أو تتصفح بعض كتبها فى ملل ، أو تشاهد كرتون تنة ورنة وتبكي لأن ليس لها أختاً كأخت تنة ثم تراني فتضحك وتمسح الدموع وتخبرني " أنا عبيطة صح" .
أحاول تقبيلها التهوين عليها ترفض فى جزع وعصبيه آرى فيها أمي فأمي كانت دئماً نافرة عصبية هكذا، لا تحب العناق أو التقبيل أختي لا تريد أن تشبه أمي ولكن هي أكثر من أي أحد أخر شبهاً بأمي رغماً عن أنفيهما هما الأثنين الأكثر شبهاً ببعضهما وإن كرها قول هذا ..
أعلم إنها تحبني ولكن حضن واحد لن يضر لا أطلبه لها بل لي أنا أيضاً أحتاج أختي التي علمتني الطيران فى الحلم .. حين لم تكن أمي ها هنا ..
أختي بالرغم من حزنها الطويل الذي لم يفارقها تعرف كيف تضحك ، تضحك وكأن السعادة خلقت من أجلها فقط ، أحب ضحكتها وخصوصاً تلك الضحكات الصغيرة وسط بكائها لا تعطيها سوى لي أنا وأخي الكبير وزوجته .. أعلم نحن خاصه الخاصة لها .. ذلك لا يحتاج برهان ..
كما أن حبها لأمنا لا يحتاج لبرهان فهي تكاد تشق روحها وتعطيها لها ولكن هما الأثنتان غبيتان لا تنازل كبرياء وعناد هذه تعارك هذه بلا أمل وحين تتنازل أختي وتخبرها ألا تفكرين أن هذا هو الحب تخبرها أمي انها لا تبالي ..
تخبرني الكثير من أسرارها .. لم يكن لها الكثير من الأسرار ولم يكن يصدقها أحد أن فتاة بحزنها ليست لديها أسرار فهي عادية جداً ..
كل فترة يرتفع بينها وبين أمي ثورة غضب أعلم فأختي تحب أمي كثيراً وكأن لأختي قرون أستشعار تعرف من يترصدون لأمي فتخبرها قبل وقوع الحدث فأمي تلعنها وتلعن اليوم الغابر الذي انجبتها به ، ثم تقول "كلكم كنتم خطأ كلكم كنتم غلطة فى حياتي" وتظل تحسبن ثم يقع ما أخبرتها أختي ولم أسمع أختي يوماً تخبرها "هو أنا مش قولتلك" لكنها كانت تواسيها ، ثم تعيد أمي التارة تارات ويشتد بينهم الغضب .. الحق أختي تحب أمي بجنون لم أشهد فتاة تبالي بأمر أمها هكذا .. وكنت أخبرها مرارا "هنعملها إيه هي حره فكك منها" ...
أمي طوال الوقت كانت تسعى للخلاص من أختي وكأنها عبئ على كتفيها مع إن أختي غير متطلبه وحينما وجدت شغل لم تعد متواجده فى البيت ولا كنا نراها .. كانت تدبر لها اللقائات مع ثقلاء الظل من العرسان والمتحرشين من الرجال والمتفحصين من أزيار النساء الذي يرغب الواحد منهم أن يتزوج فتاة لم تلمس من قبل لم تكلم أحداً من قبل ..
ما علينا من هذا الهراء .. أختي ربما تكون فتاة عادية لم تفعل الكثير بعد ولكني أحبها رأيت فيها أمي حينما كانت تغيب أمي وهي قريبة .. علمتني أن أحلم وعيناي مفتوحتان .. غنينا سوياً وهذا أجمل ما فى الأمر لعبت معي حينما نبذني الجميع ..
ربما ورثت عن أختي التوحد والعزلة قليلاً ولكن علمتي أيضاً عن الله فقط بصلاتها الخافته التى كان يصدر من سجودها نشيج خفيف مفاجئ ..
علمتني عن الصلاة حتى وإن لم تكن تصلي كانت تخبرني هل صليت فأقول لا فتقول ولا أنا .. كنت لم أبلغ بعد وكانت تجعلني أمامها .. هي أول من جعلني أأم الصلاة ..
كانت تنقظني من أيدي أبي حينما يضربني أو يقظني للمدرسه أبي تقريباً لا يعرف سوى الضرب وسيلة للتواصل ..
على قلة خروجتنا ولكني كنت أمارس معها الرياضه وكنا نخرج فى أماكنها المفضلة ..
نعم هي حزينة معظم الوقت ، ليست بهذا الجمال الفتان وليس لها لسان مثالي حينما نتشاجر أو أسمعها تتشاجر مع أمي ولكن بها شيئاً يجعلها دوناً عن بنات حواء أختي حبيبتي ،، ولكن الحق يقال لديها لسان "يقطع الخميرة من البيرة" وتستطيع أن تجعلك تبكي لأنها تعطيك من خباياك لا تذهب بعيداً عنك .. فهي جعلتني يوماً أبكي ويوماً جعلت أبي يبكي ولكن هي أبكتنا لأننا حرقناها تكراراً ..
ورغم أي شيئ وكل شئ أنا ممتن لوجودها فى حياتي حتى وإن كانت ترفض إحتضاني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق